‏إظهار الرسائل ذات التسميات أدونيس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أدونيس. إظهار كافة الرسائل

7 يونيو 2010

صورٌ وصفيَّة لحالاتٍ - أمْلَتْها نبوءاتُ الأعمى - أدونيس

حالة الشاعر (1)

لا تعرفُه إلاَّ بغموضٍ. ما أوضحَهُ:
شمسُ المعنى
يحدثُ أن يحجبَها
ظِلُّ جدارٍ.
*** *** ***
حالة الشاعر (2 )
بعد الموتِ، يقول لذاكَ الحاكمِ: زِلْتَ، وزالَ المُلْكُ، وكلُّ جيوشِكَ زالَتْ.
وبقيتُ أنا
حَتَّى لكأنَّي أُولَدُ كلَّ صباحٍ.
ويقول لذاك الحاكم: انْهضْ واشْهَدْ
سترى أنَّك تَقْفُو أثَري، تقفو خطواتي
ستَرى شِعري
مُلكًا للضَّوءِ، وأنتَ شُعاعٌ
مِنِّي، يتوهَّجُ في كلماتي.

*** *** ***
حالة المتمرِّد
أتريدونني أن أكونْ أميرًا عليكم، وأنتم عبيدٌ؟
أنْ يُقال: أنا صوتُكم،
وأنا، مثلكم، لستُ حرًّا؟
افهموني، إذًا،
إنْ بدأتُ بِقتلِ العدوِّ الذي فيَّ مِن أوَّلٍ، وفيكم.
العدوِّ الذي يتوهَّم أَنِّيَ لا عِلْمَ عندي بِأوهامه.
افهموني، إذًا،
إنْ وضعتُ حديديَ عليَّ، عليكم، على أرضنا.

*** *** ***
حالة البريء
لو تركتُكِ يا نَفْسُ تَسْتسلمينَ، لروَّضْتِ ما كانَ صَعْبًا، وَلأُعطِيْتِ مُلكًا.
وصحيحٌ ضَعُفْتُ، ولكنَّني كنتُ أفْحصُ أهواءَ عَصْريَ،
أغْزو دُخَيْلاءَهُ،
وأجادِلُ شكِّيَ فيه، ويأسيَ مِنْهُ،
وأُراهِنُ ما لا أُطِيقُ،
وما لا يُطيق الرِّهانْ.

وصحيحٌ تَأَوَّلْتُ، أَسْرفْتُ في الظنِّ، خيرًا وشَرًّا،
ولكن كيف نعرف سِرَّ المكانِ،
إذا لم نُلوَّث بطينِ المكانْ؟

*** *** ***
حالة المفكِّر
دائمًا كنتُ أُخْطِئُ، مازلتُ أُخْطِئُ، آمَلُ أن يتواصَلَ،
مِن أَجْل ذاك اليقينِ المُنوَّرِ، هذا الخطَأْ.
لا أريدُ الكمالَ، وليس الحنينُ الذي يتفجَّرُ في شَهقاتي
وفي زَفَراتي،
حَنِينًا إلى مُتَّكَأْ.

*** *** ***
حالة الصعلوك
ليس لي غيرُ هذا الزَّمانِ الذي يُحتَضَرْ
ليس لي غيرُ ذاك الكتابِ الذي يُحتَضَرْ
ليس لي غيرُ هذي الطَّريقِ التي تُحتَضَرْ
ليس لي غيرُ تلك البلادِ التي تُحتَضَرْ
ليس لي غيرُ هذا الفراغِ الذي يتقدَّمُ،
يَعْلو، ويمتدُّ في خطواتِ البَشَرْ.
*** *** ***
حالة الكاتب
يكتب الطِّفلُ: "صوتُ المدينة يَعلُو
يردِّد آهاتِها وأناشيدَها."
يكتب الشَّيخُ: "آهِ، الينابيعُ حمراءُ في أرضِنا."
يكتب الفقراءُ: "الفراغُ بِذارٌ بين أقدامِنا."
يكتب الشُّعراءُ: "الحبالُ تجرُّ العصافيرَ
مخنوقةً
حول أعشاشِها."
ما الذي تكتبُ الشَّمسُ، ماذا تقولُ لأبنائِها؟

*** *** ***
حالة السَّائل
مَا الَّذي يَتحرَّكُ فيهِ؟ جُزَيْئاتُ حُبٍّ وخَوْفٍ؟
قوافِلُ حُلْمٍ؟
خيولٌ؟ براكينُ من أَرَقٍ غَيْهَبِيٍّ؟
يَتَقَصَّى،
يُجيِّشُ هذا الهديرَ، ويُزْجيهِ صفًّا فَصفًّا
في عراكٍ مع الكَوْنِ. حِبْرٌ
وهذي يَدٌ تتدلَّى،
ومَن يكتبُ،
أيُّهذا الهديرُ الصَّديقُ العدوُّ الأبُ؟

*** *** ***
حالة الخَلاَّق
رفعتْه رِياحُ الجُّموحِ إلى فَلَكِ المَعْصيهْ،
فاغفروا ما تقدَّم، يا أيُّها الغافرونَ، وما قد تَأَخَّر
مِن ذَنْبِهِ –
لم يَجِدْ غيرَ حِبْرِ الضَّلالِ لكي يكتبَ الأُغنيهْ.

*** *** ***
حالة المنفيِّ
فَرَّ مِن قَوْمِه،
عندما قالتِ الظُّلماتُ: أنا أرضُه وأنا سِرُّها.
كيف، ماذا يُسمِّي بلادًا
لم تعد تنتمي إليهِ، وليس له غيرُها؟
*** *** ***
حالة الضالِّ
كم تنوَّرَ ليلَ الذِّئابْ،
هربًا مِن سماءٍ، هربًا من بلادٍ،
هربًا من كتابْ.

*** *** ***
حالة الفيلسوف
"كلَّ يومٍ أفتِّشُ عن هاربٍ تحت جلدي"، يقولُ
يكرِّر: "جسمي حصارٌ، وأرضي حصارٌ."
ويؤكِّدُ: "لا، لستُ أشكو." ويسأَلُ:
"ما ذلك النُّواحُ؟" المدِينَةُ، هذا المسَاءْ
وَرَقٌ طائرٌ.

هل يقومُ التُّرابُ على قَدَمَيْهِ؟
... ... ... ...
عاصِفٌ مِن هباءْ.

*** *** ***
حالة الأُمَّة
أُمَّةٌ–غابَةٌ
ذبَحتْ طَيْرَها
لترى في دَمِ المذبَحهْ
كيف يَجْتَرُّ جِسمُ الطَّبيعةِ ذاكرةَ الأجنحَهْ.

*** *** ***
حالة الحاكم
عقلُهُ مُخطِئٌ، ولكنَّ كرسيَّهُ مُصيبٌ:
البلادُ انحناءٌ لَهُ،
ولدولابِهِ.

*** *** ***
حالة الصديق
أيُّهذا الصَّديق الذي كنتُ سمَّيتُه
بِاسْمِ أيَّامِهِ وأهوالِها،
أنتَ في شَهْقَةٍ، وأنا زفرةٌ.
نتهجَّى الخرابَ الذي يتفجَّرُ فينا ونقرأ آياتِه،
كي تكونَ ضياءً
لمراراتِنا.

*** *** ***
حالة اليقين
لا أشكُّ: الخيولُ التي أسْرَجَتْها الخرافاتُ،
تقتلُ فرسانَها.

___________________
علي أحمد سعيد إسبر المعروف باسمه المستعار ولد عام 1930 بقرية قصابين التابعة لمدينة جبلة في . تبنى اسم (تيمناً بأسطورة أدونيس الفينيقية) منذ العام 1948. متزوج من الأديبة خالدة سعيد ولهما ابنتان: أرواد ونينار. يعتبر أدونيس أحد ألمع رواد القصيدة الحديثة و العربية. درّس في الجامعة , ونال درجة الدكتوراة في الأدب عام 1973 من جامعة القديس يوسف, وأثارت أطروحته الثابت والمتحول سجالاً طويلاً. بدءاً من عام 1955, تكررت دعوته كأستاذ زائر إلى جامعات ومراكز للبحث في و و و . تلقى عدداً من الجوائز العالمية وألقاب التكريم وتُرجمت أعماله إلى ثلاث عشرة لغة. حصل سنة 1986 على الجائزة الكبرى ببروكسل ثم جائزة الإكليل الذهبي للشعر في جمهورية مقدونيا تشرين الأول 1997. رشح عدة مرات لنيل ولكنه لم يحصل عليها حتى الآن.

صورٌ وصفيَّة لحالاتٍ - أمْلَتْها نبوءاتُ الأعمى - أدونيس

26 مايو 2010

معجمٌ مصغّر لهن (قصيد ة) - أدونيس

 أبدأت حياتها ناراً مفردة
ولن يكون لرمادها شبيه
ب
حبها، صيغة ماضية
لا تحاور إلاّ المستقبل.
ت
ارتجف الضوء حول جدران بيتها
حين التطم بأطرافي:
حقاً،
ليست الروح هي التي تتذكّر،
بل الجسد.
ث
حبٌّ –
صدرٌ مفتوح،
لكن للصدر صوت كأنَّه
لهجةٌ بائدة.
ج
حبٌّ –
عبودية تنسكبُ حرّة
من أباريق أبديّة.

25 مايو 2010

سِجّيل 1999 (قصيدة) - أدونيس

4
لستُ جلجماش و لا يوليس.
لاذاهِبٌ و لا عائد.
ومن أين لي أن اكون نبيّاً؟
أنا الصخرةُ، و عليها يُبنى المنفى.
زمَني يُفكّرُ كالماء، و يدي تَعمل كالغبار
في أبَدٍ
تؤلّفُ ريحُه معجماً للرمل لم يكتمل بعد.
و لا قوَّة لي،
غير هذا الضّوء الذي يهبطُ عليّ من مجرّاتِه.
ان اصنعَ من السنابل كِتاباً
أضع رأسي الى جانبه.
أسعَدَني، مَرّةً،
أن أكون محراثاً
أصلُ سَكَّته بآذانِ النُّجوم،
أن أرفعَ سروالي رايةً للحلُم،
الآن،
أينَما توجّهت
أرى نفسي في المدينةِ – إيّاها،
ترتطمُ عيناي بالطّلاسم،
ترتطمُ قدَماي،

أفصحي، أنت أيتها الجمجمة (قصيدة) - أدونيس

تحية للموت الفلسطيني

شَحْمُ هذي السّماءِ كثيفٌ، وأزرارُها
تتفكّكُ في غابةٍ مِن شظايا.
أذرعٌ يتخاصمُ فُولاذُها وَإسمنتُها،
والعناصِرُ مخبولة تتخبّطُ ـ ما هَذهِ اللغةُ المُبهمهْ!
أفصحي أنتِ، يا هذهِ الجُمجمهْ.
شاشة لقياس التوحش عندَ الملائكِ، بَعدَ
السقوطِ إلي عالَم يدبُ علي بطنِهِ.
لازوردُ السماءِ وطينُ البَشرْ
مَسرَحٌ لهباءِ الصورْ .
للغُبارِ الذي سنسميهِ ضوءا وللصورةِ الآدميّهْ
لَبستْ أنجمُ اللهِ في ليلها البَدويّ
سَراويلَ أعراسِها :
عَضَلُ الأرضِ مُستنفرٌ
والغرائزُ في نشوَةٍ كوكبية.
** ** **
نصفُ ثَورٍ ونصفُ حِصانٍ
يَرضعانِ معًا ثَدي تُفاحةٍ
ـ (ربما ذكّرت بعضَهم
بغواية حوّاء) ـ حواءُ مُذاكَ في رِحْلةٍ
لم تعدْ بعد منها. سياجٌ
قَفزَ العَصْرُ مِن فوقهِ. يتحدّثُ مع نفسهِ
مع قبائِلَ ـ كُل تُسمي
نفَسها بَيضَة. وكلّ
تَنْتَمي، كلّ يومٍ، إلي حُفرةٍ، ـ
حُفْرَة تَتَنَزّلُ فيها
جُثَثُ المارقينْ،
حُفْرةُ السّائلينْ ـ