8 يونيو 2010

الخلاص الرامبوي ( فصل في الجحيم لآرثر رامبو ) | فيليب سولير


 "قديماً كانت حياتي إذا ماتذكرت، وليمة تنفتح فيها جميع القلوب،وتسيل فيها جميع الأنبذة. أجلست الجما ل فوق ركبت ذات مساء – وجدته مراً- فشتمته.

تسلحت ضد العدالة.لُذ تُ بالفرار. أيتها النساءالبشعات، أيها البؤس، كان بؤسي قدعُهد به إليكن! لقد تمكنتُ من جعل كل رجاءإنساني يتبدد في نفسي.انقضضت انقضاض الحيوان الضاري على كل فرح بغية خنقه. ناد يت على الجلاّ د ين مستعجلاً لكي يستعملو ا بنادقهم.ناديت على الويلات لتخنقتي بالرمل، وبالد م.لقد كان الشقاء إلهي. استلقيت على الوحل جُفّفْتُ بهواء الجريمة. ولعبت دوراً متقنناًبالجنون. وحمل اليّ الربيع ضِحكة الأبله البشعة."
انفجر ذلك الكتاب الصغيرالوحيد الذي نشره المؤلف في حياته على المدى الطويل بدون أي نتيجة- إذ لزم الأمر اربعين سنةلا كتشافه- فهو يمتلك الصيت المرموق ذاته الذي تمتلكه "خواطر" "باسكال"وأشعار لتريمون ؛ فلا يقرأه المرء حقاً ؛بل يختبره، ويعاني منه ويحفظه عن ظهر قلب" ليس السأ م معشوقي . فالاهتياجات والفسوق، والجنون التي ألمّ بها. و جميع الاندفاعات والفواجع –لقد وضعت كل عبئي. فلنقدر امتداد براء تي بلا تضليل" . الميتافيزيقياالسامية والحقيقية ، والتعويذة الذاتية لعدمية شاملة بعد اليوم؛ فهل فصل في الجحيم كتاب ديني؟ - أكيد؛ بل أبعد كثيراً ممانفهمه من هذا المصطلح،فهو حكاية ليست وعظية ؛بل حكاية تغيير، وحكاية تحويل. خيمياء الكلمة: تجربة فريدة،عرضة للخطر،في غمرة ضياع الذات ، والانفصال ،والهذيان. لم يتراجع مبد ئياًعن تلك المغامرة المحرقة التي لم يترد د في تسميتهاب: عذاب جهنم، ولم يزرهذا المسافر جهنم كما فعل دانتي:لقد عايشها من الداخل ، وغاص فيها ، فخرج منها . وسيكتب أيضاً إشراقاته غير العادية- مازالت هناك تعاليق على جميع الجوانب منذ فرون- ثم صمت، وغاب في أسطورته- زيادة على ذلك ،هناك كثير من الثرثرات.
الشعراء غيورون ومهتاجون: لقد سلب منهم الرهان غير مبال، مع عدم تكرار قول أكبرفي الوقاحات. المتدينون متحجرون:إنه صلب جداًبالنسبة إليهم- بالرغم من كلوديل -. السورياليون مولعون به ، ولكنهم لايحبون عدم التزامه الراديكالي.ويرى البورجوازيون الذين قرأوا أن المؤلف"جف في الهواء من جريمته"،أن هذا الطفل الموهوب، إرهابي في عمقه،أو بهلواني غير قابل للمعاشرة.ويجده الشاذون جنسياً قابلاً للتزوج به نوعاًما.ويثور عبدة الشيطان بجانبه بشكل يرثى له. وأخيراً،لايبالي جميع النلس بمايكتبه. وتبقى الكليشيهات التذكاريةالفاقدة للذاكرة ، رامبوهنا، رامبوهناك، عبارة يرددهاالناس حتى المتحف. وسيكون رامبوعام 1873قد بلغ 19 سنة. وسيوضح تاريخَ تحرير قصائده المبكرة بنفسه كتابيياً : في أبريل إلى أغسطس ، كتب قصائد عجيبة جعل منها أنطولوجيا صغيرة في فصل في الجحيم. وعاش جميع أنواع الهلوسات الممكنة.
ويعود من بروكسيل، من حيث أطلق عليه –صديقه – فيرلينالضال الرصاص . فهل كان فيرلين يستهدف في الواقع ، شاباًوسيماً جداً يدعى رامبو؟ببداهة صارخة: كلاّ ؛بل أشعل النارفي فصل في الجحيمطورَ كتابته.
لم يستطع شعراء عصره ، ولم يشاؤواأ ن يقرأوا نثر رامبو،. فلا فيرلين ولامالارميه، كانا بقادرين على ذلك . أما كلوديلالذي اعترف أنه قد تلقى منه تأثيراً بذرياً؛ فلم يقتضه الأمر ، على الأ قل ، سوى اهتداء ما ، لينسحب من القضية – مع أي حال مثل فيرلين- . فلو لم يصبح رامبو كاثوليكياً خالصاً- على رواية أخته إ زابيل- ، فقولوالنا على الأ قل ، إنه كان ثائراً متحمساً. بل لو لم يطمح في هراري ، سوى أن يصبح بورجوازياً عادياً، ليكدس المال لتلك الغاية بشقاء.
فضيحة دينية ، وفضيحة اجتماعية: فلا هو تقيّ ولا تقدمي.لكن ما عساه يكون إذن؟" العذراء المجنونة"- فيرلين ،إذاشئنا.- تشتكي كذلك من زوجها الجهنمي في فصل في الجحيم ." تعلمون ، إ نه شيطان وليس إنساناً ".فلنستمع إليها بإ معا ن:" كنت أجيب: مازلت أجيب دون مخافة عليه- انه يمكن أن يكون خطيراً بجدّ في المجتمع – ربما ليمتلك أسراراً لتغيير الحياة. كلاّ ؛ فإنه لم يقم إلا بالبحث عنها" ونرى آندريه بروتون؛وهو يرددأن رامبو كان قد امتلك كلمة المرور " لتغيير الحياة " – تغيير يعادل في عينيه التحويل في عالم ماركس. - ويتحدث في الواقع مثل العذراء المجنونة.ولا يملك مايوصي به، سوى"الحرية الحرة ".:" أريد الحرية في الخلا ص" وهو عكس الركوع كالشعار السياسي . شابّ فرنسي شاهد بعد قليل، ببساطة،أنه يعيش وسط شعب " ألهمته الحمى والسرطان" حول "قرية يجول فيها الجنون"، فمتابعة الأحداث التاريخية التي تهبه الخطأ،غير مؤكدة." يقز زني المجرمون تقزّزَ المخصيين: أنا طاهرالذ يل،فسواء لديّ ذلك"
من أين بأتي التخريب ، والتخريب الذاتي، والجنون؟من مقت الجمال.إن الجمال يجلب الشر، والرغبة فيه وفي التشويه ، والتلويث .فهل يمكن للمرء أن يهرب من هذه الرتيبة الإنسانيةجداً؟ بدون شك، وينبغي مبد ئياً أن تبدع خيماءُ الكلمة – لون الحروف الصائتة وشكل الحروف الصامتة – "كلمةً شعريةً قابلة أن تلج في جميع الأنحاء، يوماً ما. "قال رامبو ذلك في فصل جحيمه:" أصبحت أوبراعجيبة "، فأنقذ الجوهري من اكتشافاته العديمة النظر- " لقد وجدته! ماذا ؟ إنه الخلود . "- واصفاً التجربة التي أرهفت بها التجربة صحته تماماً " لا شيئ من صوفيات الجنون – الجنون الذي يضمره المرء – كان منسياً عندي : قد يمكنني ان أقول ذلك كله ، وأحتفظ بالمجموعة " . وهو يعرف أنه اكتشف سبباً آخر، كالسبب السابق ، سبباً موسيقياً، وشكلاً جديداً من الحب .
يَستخلص من هذه النتيجة القاسية: " لقد حدث ذلك. أعرف اليوم أن أحييَ الجمال " . وستكون تلك الساعة الجديدة للعقل " قاسية جداً " ، وسترفض المتسولين ، وقطاع الطرق ، وأصحاب الموت ، والمتخلفين من جميع الأ صنا ف" . وتتطلب المعركة الروحيةالقاسية – قساوة معركة البشر أيضاً- أن يكون المرء حديثاً بشكل مطلق." ولا يتعلق الأمر بالأ دب أوبالشعر، وإنما يتعلق بالعمل المباشر- " ضحكة عشيقات عجائز خادعات ، أخجلن أولئك الأزواج الكذابين –رأيت الجحيم- النسوة هناك ." فلأي هدف فريد؟ "سيكون لي أن أمتلك الحقيقة في نفس ما، وجسم ما ." وكفى. مازال رامبو مولعاً مثل كل إنسان وكل إنسانة .لم يعد ،هو.إنه هو بالذات ، قبل أن يسجل تاريخ حكايته الذي يشير إلى الجملة الأخيرة.

عن جريدة لوموند دي ليفر ص 7 بتاريخ 16- 7 -2004 / ترجمة محمد الإحسايني