28 يونيو 2010

تمارين الوحش |احمد الملا


  
ابليس لستُ سليلَ أبالسةٍ ولن يكونَ لي أحفاد... ملائكةٌ تُرفرفُ على حافّةِ الكأسِ ملائكةٌ صغارٌ يقعونَ في حُمرةِ النبيذِ ويتلهَّونَ برأسي. ملائكةٌ يحطّونَ من أعالي الأغصان يتأرجحونَ في عباءةِ الليل. بأجنحتهم يكشُّونَ عن وجهي نواياً لم تستوِ، يَنعسُونَ كلّما هممتُ يغطسُ ريشُهم في أحلامي ويفتلونَ العابسَ من جبيني، قُبيلَ انتباهِ عضلتي المشدودة وانتعاظِ قرنَي رأسي، ولمّا تتفتحَ رغباتٌ سأُدحرجُ تفاحاتِها على بشرٍ يستغيثون. لستُ سليلَ أبالسةٍ ولن يكونَ لي أحفاد ... ملائكةٌ يموتونَ تباعاً في أوّلِ وسوسةٍ،
ملائكةٌ يتساقطونَ كلما غمستُ حربتي وأعدتُ الناسَ إلى صوابهم ومزجتُ رائحتَهم بلُعابي. ملائكةٌ بلا كللٍ يولدونَ كل ليلةٍ على نومةِ خِلخالي يتسلّقونَ المعاصي وعلى حوافِّ الخسرانِ أتخطَّفُ أرواحَهم. مِزاجٌ للتّخريب لن تَحْكُمَنِي مَشِيئةُ الدَربِ، ولا مَآثِرُ الأسْلاف، بِخُطى سكرَانَةٍ، أَدُوسُ، كُلما خَطَرَ لِي، وَعَنَّتْ الرَغبَة. عَطشِي حَجرٌ، والبُحيرةُ سَاكِنة. أكتبُ، وأنْقُضُ القولَ. أَفتكُ بالوقتِ حتى آخِرِهِ، أُلقِيهِ مُفَتّتاً خَلفِي، ولا ألتَفِت. أشْتغِلُ عنهُ، بِلحَظاتٍ تَتَوالى، وأعِدّ لَهَا قَبْضَتِي وأنْيَابِي. لو لَم أَخُضْهُ بِعَطَشِي كُلّه، ووَقَفْتُ جَاحِداً قُرْبَ جَناحَيْه، كيفَ لِهذا النَهرِ، أن يَسْعَى إلى المِلحِ جاهداً. أطلبُ غامضاً، فكلّ سَهْلٍ لا يَطرَحَهُ الجَبلُ، يُثِيرُ غَثيانِي. أتْعَبَتنِي تَقويسَةُ الفلّاحِ، مُنكبَّاً على الأمل. أنْهَكنِي جَلَدُ البَنّائِينَ. شَقَّ صَبري، دَأَبُ الأمّهَات. كَرِهتُ الخَجَلَ، الشّفَقةَ، الّلطفَ، الطِيبةَ، وكلّ صَنِيعِ خَيِّرٍ يَهُدُّ حَيْلِي. أرْغَبُ في اللّسْعَةِ، مِن رَغِيفٍ سَاخِنٍ، أُمَنِّي أصَابِعي بِإبْرةِ العَسل، وشَفَتَيَّ بِعَضَّةِ القُبْلة. بالخيانةِ في مَهْدِها. أَسُلُّ الخِنجَر، وأبحثُ عن مُنتحِرينَ، لم يُنجِزوا مَهَمّاتِهم. أُبَادِرُ مَن أَهْوَى، أنْثُرُ الشَوكَ في ثِيابِهِ، أرَطّبُ أقدامَهُ بَالوردِ، وأُعِدُّ لِلخُدوشِ مَرَاهِمي. هكذا، أذهبُ للنومِ خَفيفاً، أخَرّبُ بَيتي كلَّ ليلةٍ، وأُعَمِّرُهُ بالشَغَفِ، كلّمَا أصْبَحْت.
*****
أحمد الملا شاعر سعودي، أهم رواد قصيدة النثر السعودية المعاصرة | المسيرة الالكتروني
من مجموعة « تمارين الوحش» تصدر قريبا عن دار «الغاوون».