11 يونيو 2010

خذ واكتب (قصيدة) - لجنر إكلوف


الشاعر السويدي لجنر إكلوف

(1)
خذ واكتب
عن الحياة والأحياء
عن الموت والأموات
عن حب واكره,
عن شرق وغرب أبدا لن يلتقيا,

أبدا لن ينفصلا وبالكاد يدركان
يتحسسان ويتابعان بعضهما البعض
كما ينبغي على كل إنسان
حين يحب أو يكره
أغني لذلك الشيء الذي هو وحده
يصالح بيننا, الشيء الوحيد العملي,
سواسية على الجميع, يندر أن يقوى الإنسان
على التخلي عن السطوة, عن الأنا والقيل,
عن ذلك الشيء الوحيد الذي يضمن له السلطة
(2)
انبعثت من رمادي - عاطفة مفكرة
يبتلعها لج هلامي فتسبح فيه
لم يخلق الإنسان إلا ليشهد: فخذ واكتب!
ليس هناك من قوة إلا قوة الداخل
وهي قادمة من الخارج, من هذا الغيب
المتحرك في الأعالي, ترمقها بين غيوم نورها منها إليها
نور غير واضح الملامح- تسيل عليك جلمودية
حتى تشعر أنك تصارع
هي القوة تتعارك, لا أنت! مع من تتعارك القوة?
ليس هناك من ضعف إلا ضعف الداخل
وهو أيضا آت من الخارج, من ذلك الغيب
الزاحف في الأسافل, متغير المعالم, جياش غامض
مهدد وجذاب, فتشعر كيف تصارعك أذرع قوية
هي القوة تتعارك, لا أنت! مع من تتصارع القوة?
حقا أقول لك: لست إلا مكانا تم اختياره,
جوالا تحاول الشمس والريح معا تجريده من ردائه, معا ,
في آن واحد ! وليس كل على حدة.
بارد كالثلج في الظل, متوقد كجمرة في الشمس
أبريل الروح
(3)
تقول <<أنا>> و<<هذا يخصني>> ولكن الأمر رهان:
أنت في الواقع لا أحد! والواقع عار من الأنا
والشكل, هو خوفك من ذاك الذي بدأت تلبسه
وتتصرف مثله فتسمي نفسك ؛أنا«, متشبثا
بآخر عود خوفا من الغرق, وفي الواقع أنت:
لا أحد!
نظم , قيم إنسانية, حرية الاختيار: كلها صور رسمها الرعب
في قاعات الواقع الفارغة, الرعب من التعامل مع أي شيء
يتعدى الخطأ والصواب, أي شيء يحلق ما وراء
المعنى واللا معنى! في الأصل أنت لا أحد!
أنت خارج الخير والشر,
مكان تم اختياره لوقوع الخير والشر, الحيوان العلوي
في صراعه مع الحيوان السفلي, تدرك الحقيقة أحيانا كهوة
على حافة الطريق ولا تتجرأ أن تعرف
ولا تريد أن تعرف, أنت يا من يخاف أصغر الحفر!
في الواقع أنت لا أحد! مكان, هندام, اسم, وما عدا ذلك
لست إلا أمنية: أناك أمنية, وتراجعك أمنية أخرى وخلاصك أيضا أمنية
كل ما أخذت فقد أخذته مقدما - خلاص?
ليس هناك من خلاص! أنت تحلم وتتهته خلاصا !
بعث يبعث! قدوس مقدس! لأن تلك هي أمنيتك
ولكن مصير الإنسان ركيزة لا تتغير
وها أنت قد وضعت حجرا آخر في بناء أمنياتك
بعد أن تحققت لك أمنية جديدة من بين آلاف وآلاف
الأمنيات الممكنة, تحققت وأضحت ضرورة, ويقينا
وفي النهاية تحولت إلى واقع, تماما كما حدث لك- من البداية
لم تكن إلا أمنية, كهذا الاسم السحري
الذي وهبك إياه والداك كي يحميك من الظلمات
ومن اللا أنا, ويفصلك أنت أنت عن ألف شبيه
وشبه شبيه, ومع ذلك فأنت في واقع الأمر لا تملك اسما
أنت كالليل والظلام - في الواقع أنت
لا أحد
(4)
هذا الجمال الذي كنت أبحث عنه حتى الآن
لم يكن إلا تمرجح المقفزة
والحكمة التي ما زلت آمن بها: جبن القافز
ولكن, من انتظر المصالحة فهو غير متصالح
ومن انتظر الخلاص فهو محكوم عليه
رفض الذات? لا, بل أعمق الإيمان,
إيمان لا يكتسب إلا بعد أن يشك المرء في كل شيء,
إيمان تكتسبه عندما تدرك:
أنا لا أكذب, والشيء في داخلي لا يكذب
فالحقيقة بعيدة عني (أنا بعيد عن ذاتي).
وأترك ذاتي
كما تترك آخر فأرة سفينة تغرق.
حطام يحترق فتأخذ منه الأعماق نصيبها بعد أن تستنفده الأعالي,
(لقد وزنت على ميزان فوجد أن بعضك ثقيل وبعضك الآخر خفيف),
غريق يتلاعب به تغير الأشكال المظلم,
مجذوب تضيئه نجمة الصراع الخفية,
تلك اللامرئية, أقوى من أي قمر أو شمس,
المفردة والمجوزة في ين واحد, مظلمة مشعة,
في آن واحد! وليس بالتناوب.
الحياة هي لقاء الأضداد, لقاء الأضداد حياة
لا يمتلكها أي منهما.
الحياة ليست بنهار أو بليل
ولكنها غسق وضحى.
الحياة ليست بشر أو بخير,
ولكنها الطحين بين الأحجار.
الحياة ليست بصراع الفارس والتنين,
ولكنها العذراء.
لا, لن يأتيني أحد بجوع التنين وشره,
ولا بنبل الفارس وشهامته,
بالرغم من روعة الكذب في قصص الخيال!
ولن يأتيني أحد بآمال العذراء وطمأنينتها
اذ أن الصراع باق للأبد
ومن سوف ينفق فيه
ليس تنينا
ولا فارسا
بل دائما هي العذراء
(5)
خوف العذراء وهروبها هما السيف والمخالب.
فيصنع السيف من هروبها, ومن خوفها تنمو الأظافر صلابة.
وهي تموت في كل لحظة, ولذلك فهي حية.
وهي تهرب في كل لحظة ,
ولذلك فهي دائما هنا.
تتجرع القوة عدما , ولذلك فهي دائما مترددة.
تتردد, ولذلك فهي في حالة توازن مستمرة.
التاج والرداء, والأيدي المتضرعة: تلك هي علامات الصراع,
ليست من علاماتها,
ولكن الصراع صراعها.
والصراع يتعيش منها:
فهي مصيدة له.
يا أيها الهدوء العميق, المحجوب وراء العاصفة!
تشبه دمية رماها الأطفال,
تتقبل اللامعنى وأنت مفتقد الإرادة!
تظهر لمن يكشف القناع عن الصراع,
ولكنك تختفي لمن يكشف عنك القناع,
إذ هو حينذاك يختفي فيك:
باب يفتح, درب يتلوى مبتعدا .
وعلى الدرب شبح وحيد يغترب.
نفس الشبح الذي يطرق الدرب ويختفي,
نفسه, هو نفسه
الذي يختفي ويختفي من جديد:
هلوسة وخلقا بلا لقاح!
منوعات
هاك بعض الرجال يمشون في غابة التقاليد
بقمصان غليظة
- وصدى ضربات فأس يرن في هواء الصباح
هاك حذر في كل نظرة
حينما يترنح العمالقة في سقوطهم
وعمق في كل تنفس:
عطر الأشجار المقتلعة يملأ السماء
هناك الشروق أبدي!
يا ملكة الرعاة, اذهبي
إلى الكادحين واسقيهم ماء الحياة سكرا من جعبتك!
امنحي الطمأنينة لقوتهم
وهم ينتظرون نزولهم في نهر الموت!
إذ أن الضحى والغسق واحد,
وليس هناك ليل أو نهار,
وكل أشجار غابة السحر هي شجرة واحدة,
دائما لا تتغير.
أصناف
هؤلاء الذين ما زالوا يعتقدون أن الرماد رماد
ويدركون أن للحياة عددا لا متناه من المقاييس:
نسبية كل الحقائق والأكاذيب.
هؤلاء الذين لا يبحثون عن الضد في كل شيء
ولم يتعرضوا قط لاغراءات الازدواجية
فلتكن إذن مراتبهم من غير وعي كفضلات نشارة الحديد
في المجال الواقع بين شر وخير:
هؤلاء الذين يتسمون بالغرابة, ذوات الطبع, اللامبالون.
هؤلاء الذين يرون أعصابا سوداء وبيضاء
في كل هذا الرماد اللامتناه
الذين يجبرون دائما والمرة تلو المرة على
ملاحظة وتجربة والاشتراك في
صراع الحياة والموت
هذا الصراع الذي يعصف في كل ما يتظاهر باللامبالاة
حتى حركة إصبع شاردة أو هروب أصغر ذرة تراب
غير المتميزين, هؤلاء الذين يبالون والمسحورة ألبابهم
الذين يعتنون بأصغر الأشياء
مكرسين قلوبهم, أرواحهم ومصائرهم لها
هؤلاء هم الذين على وشك أن يلحق بهم
وعلى وشك أن يصبحوا سجناء
إذ أن من كان محامي نفسه ومدعيها
فهو أيضا مجرمها
هؤلاء الذين لم ينسوا أبدا أن الرماد رماد
الذين مروا بشرع العقلانية وكأنها توراة
الذين اصبحوا جدرانا متآكلة لتعايش سمائي جحيمي
اللامبالون, غير القابلين لمفعول السحر
هؤلاء هم المنفردون
هم من يحاولون التهرب من أصغر الأشياء
تاركين وراءهم قلوبا وأرواحا ومصائر كرهائن
ولا يأخذون معهم إلا النكرة وغير القابل للتحديد
هناك, على الضفة الثالثة للحياة
لا ترى الأسود او الرمادي أو الأبيض في أي شيء كان
ومن ثلاثتهم يحلق عدد لا متناه من المقاييس
في ما وراء كل الحقائق والأكاذيب
سجناء:
هؤلاء الذين يطرقون ويكسرون ويعوجون,
الذين لا يهربون إلا كي يرجعوا.
أما هؤلاء الذين يسرحون محجبين:
فهم أحرار.
*** *** ***  *** *** *** ***
للشاعر السويدي لجنر إكلوف (1907-1968) / ترجمة: هشام بحري / مجلة نزوى

خذ واكتب () - لجنر إكلوف