27 يونيو 2010

يوم جنّ إيلوار | أنسي الحاج



الشاعر الفرنسي من أصل أرمني روبان ماليك الذي زار لبنان الأسبوع الماضي لأيام، حالفه الحظ من زمان وعرّفه على الشاعر الفرنسي الكبير بول إيلوار فاشتغل معه بصفة سكرتير ومساعد في شؤون عمليّة وقراءة البريد والردّ على الرسائل إلخ... أخبرني قليلاً عن شخصية ذلك الرجل الذي ترك في الحركة السوريالية تأثيراً عميقاً صافياً ما زال مداه غير معروف بإنصاف حتى الآن.
قال لي ما هو معروف خلال شعره عن عذوبته وشفافيته. وكيف «مات» لموت زوجته. وإلى أي حدّ كان حريصاً وراعياً منتبهاً مهتماً بكل الناس. وحبّه، وبراءته، وذكاؤه. وروى لي الحادثة الآتية التي شهدها روبان ماليك بنفسه:
ذات يوم وقبل موته بسنوات تلقى إيلوار في بريده اليومي رسالة وقّعها «فريق من الرفقاء الشيوعيين» الفرنسيين جاء فيها:
«إلى الرفيق إيلوار
نريد منك أن تكتب قصيدة بكذا أبيات عن الموضوع الفلاني...».
ويضيف روبان ماليك أن إيلوار اللطيف العذب الرقيق ما إن قرأ الرسالة حتى راح يصرخ كالثور، ثم مزّق الرسالة ونبش شعره ووصل إلى حافة البكاء.
ولا حاجة للسؤال عن السبب. لقد ثار إيلوار واستغاث من هذه الإهانة لا لأنه كان شيوعياً عاطلاً إنما لأنه شاعر أصيل.
وكان يصيح وهو يمزّق الرسالة كالمجنون: «بي أنا يفعلون هذا!؟».
... ومات إيلوار من الشرب. كان يشرب كالعطشان الأزلي. كان يشرب ليكتب. كان إذا مرّ عليه ثلاثة أيام دون أن يكتب يفزع.
فالكتابة دفاع. حتى عندما تكون انتحاراً.
____________
من «كلمات كلمات كلمات» 1964 – 1987 أنسي الحاج
مجلة نقد / العدد الخامس يناير 2008 |رئيسا التحرير زينب عسّاف/ ماهر شرف الدين