18 يونيو 2010

ليلة مع هاملت | فلاديمير هولان

ترهبن
الأم، الأخت، العشيقة، ثلاث نساء
في واحدة... إن ماتت الأم،
تصبح الحياة بكماء، برغم أننا لا نستطيع السكوت
إذ إن الكائن المهمل يذهب وحده مع الفراغ،
ليس له مكان يرحل إليه.
ليلة مع هاملت
(مقطع)
على درب الطبيعة ذات الكينونة
ليست الجدران، والحق يُقال، كثيرة الترحيب،
هذه الجدران غطتها الموهبة بالبول، ندّية ببصاق
ثورة المخصيّين ضد الروح، هذه الجدران،
جدران اللاشيء، الأخفض من مولدها،
وهذه الجدران حيث نرى نضج واستدارة كلّ الفاكهة...
مليء ومنساب، صوت شكسبير
هو دعوة لبقة للسماح بكلّ شيء، وعبارته
التي كالدهشة فعلا، التي عليها أن تكون
احتفاء، تصبح تخفيضا للزمن
(أمام براهين غيابه الممكنة)،
ضريبة مراب على جميع البيوت،
التي أقام فيها المخرج بدون انزعاج.
وحده الاحتيال يقين هنا. وبالنسبة إلى المتفرج،
وبدون انتظار، زحف باتجاه باب الخروج مثلما زحف ثعبان القديس جرجس،
كي يتدفأ بصفراء (١) النقاد...
أما اؤلئك الذين يجرؤون على رسم الخرائط، حتى للرغبة
ها هم مرتاحون جدا، في حين أنهم أيضا ليسوا
سوى شهادة تغادر ما تبقى من حيوانية...
الطبيعة إشارة دائمة
وحتى إن بقيت ضمنيا
نجدها تنكتب بزيف ضد نفسها. حتى الذكر،
هذا الفاتح، الأبكم، لا يشعر إلا لأن
الروح تذهب إلى الأمام دوما،
حين ينغلق كل شيء خلفها...
هذا ما كان عليه، بدوره أيضا، هاملت!
تنقصه ذراع وحين يحلّ الليل
وعبر كُمّ معطفه الفارغ
كما عضو أعمى، تتجزأ الموسيقى
أكثر من اسنانه...
لم تجعلنا الطبيعة إلا شيئا واحدا من احتقارنا للمدينة
ولبول الصخور، هذه الرغوات المقلوبة
تحت الارتفاع الذهبي لقدرتها...
انتظرت كي تصبح يرقانة النبيذ فراشة،
لكن انتظارها بقي سدى.
إذ لم يتبق إلا احتقار النبيذ من يوم ما
حيث، من الظمأ، فتح شريان حصان
ليشرب من الدم...
هذا هو السبب الذي قاده لتبني الجن (٢)
ولطرد الأسرار ذات المظاهر غير المباح بها،
لكن، بوقوفه دائما بينه وبين نفسه
أعطى صوته للهاوية.
لم يعد يتحدث إلا عن ذلك، ألم تكن المسألة
في رواية قصة قديسة ما
لم يتبق منها أي شيء، إلا ألم
ذكرى عشيق مشتهى.
لكن ألما صغيرا جدا استطاعت أن تخفيه
بسهولة، في سنّ منخورة...
لا يهمّ كثيرا إن كان اللعاب الذي نسمعه يُصفّر
قد سال أم لا من أفواه الجداجد (٣) النائمين
بنائي جسور منتصف الليل،
المخلوقات التي تخلق، والتي حفرت كل واحدة منها، قبرين
أو شبحين، لتجذب راتبا من نبؤاتها.
الفن وحده لا يملك عذرا.
لكنه يدفعنا بخطر إلى البقاء أحياء،
حتى وإن كنّا سنموت في الوقت عينه...
لم يكن هنك ملجأ... ولا في أي مكان، حتى في اللاوعي
ألم يكن هنا، هاملت، كموزار (٤) سكّير
الذي نبش جبال الألب كي يضع قنينة بتوازن
على سلّم الخوف من الموت، الصارّ .
هو، كان مشدودا بدقة إلى نفسه، لدرجة أن الخلود بأكمله
تسرّب إليها شيئا فشيئا...
أمر واقع إن كان حاضرا،
السكين مرفوعةعلى الحمل
لا يستطيع شيئا، أكثر من قصدير أجران المعمودية المصهور القديم
وإلا العودة إلى شكلها الأول.
يبقى الكرب. كان تحت طلقة الأبدية
وعليه أن يُشفي جرحه. كان في قبر والده
لكن كان عليه أن يكون طفل الأبناء... كان
يتواجه مع روح الموسيقى المقدسة،
إلا أن عليه أن يحيا براتب عاهرة،
أو بسعر كلب...
لا لأنه عرف كل شيء، بل لأنه كان يشك كثيرا
بأن الأنانية ما إن تشبع
فهي لا تتقيأ، تهضم ما أكلته وتعيد الكرّة...
لا لأنه كان عاقلا، أو أن يعرف كيف يكون
عمودا خشبيا بين عواميد الحجر...
لا لأنه مثل شجرة ترتجف من القرف أمام
أعتق الألواح الخشبية المطلية بدم امرأة...
لا لأنه كان، البخيل، متذكرا الأشياء الأخيرة
ليجد مسكنه عند ذاك في قبر »أتريه«
حيث من غرفة الكنوز ندخل إلى غرفة الأموات...
لا لأنه كان منشغلا
في معرفة إن كان عنق الاسكندر الأكبر الملوي
استطاع، ومهما كان من أمر، أن ينتصب في التاريخ...
لا، لكني ما زلت أرى، أنا، تكشيرته
أمام هؤلاء الذين، إن بقي شيء غامض
فذلك لا يعني فراغا، إذ يرمون فيه
كل غضبهم المخصيّ...
يبدأ البخل مع ذاك الذي يهب... ومع ذلك
فقدنا الإيمان، نحن الذين ننتظر
دائما شيئا ما، وربما ينتظر الرجل أيضا
شيئا ما دائما، لسبب وحيد، لأنه فقد الإيمان...
يتلقى الضوء، ولا يشع أبدا... فقير الدم
ولا شيء يمكن أن يحدث، لما نقوله، من دون أن نريقه
وها هو هالك، لكن لم يتلق الحرم بعد،
فضولي، لكن ليس إلى درجة أن يبحث عن المرآة
التي تنظر عبرها هيلين ـ هيلين إلى نفسها (...)
المسرنم
شاحب من الشفقة على الزهرة السامّة،
يسبح القمر.
ها قد حانت اللحظة، يا ربي،
حيث سأذهب بحثا
عن اسم لا اسم له.
الصوت العميق والهادئ، الصوت أعلى
من الوجه واليد كخوذة.
ها قد حانت اللحظة، يا ربي،
حيث خلف النشيد
يغني الصوت غير المسموع.
تنام غزّالة النسيج الجميلة، والأعجوبة، عار
والثياب على جسدي.
يا ربي، ها قد حانت اللحظة
حيث الهزة تهز نفسها، وعبر الأصابع
لحظة القمر ثلاثية.
على الأقل، استمع يا ربي، كم أنا خائف
من شجاعة كلّ شيء!
صرخة الطواويس، صرير الباب ها قد حانت لحظة
عطش القلب،
هذا الخؤون الساذج.
الأمنية والقدر
توازن الدم الهادئ، فيمَ يختبئ أحدهم
ولا يظهر الآخر بعد
هل انه من الانشداه المطرود، من نداء الغواية؟
دائما يُطيعــنا الأقصى، يأمرنا الفراغ.
على أيّ صوت تجيب هذه اليد التي تضع الشمعدان
(على سبيل التحية) في وزن الظلمات؟
ألن يقرع أحد، كان شبع من خمر الستائر؟
عنقود وقناع، أيعنيان كتابا؟
حكمة الأوراق التي تنتظر، هل ستتجمد من البياض
لأن الأمــوات ينظرون إلى بعضهم في المرآة؟
أيها الصمت، أبحث عنك مثل ضربة شفافة
تستطيع أن تنتظرني. أيمكن أنها فعلت ذلك؟
ربما جئتَ زهرتين باكرا، حين الرغبة تجذب
الاكتمال؟ ومع ذلك، يرسمك تنفسي الغامض
مثــل الميــاه المعــتمة الـتي ترسم
إحساس البجع.
أيها القبر، علمني كيف أحيا، وبفضل شمس الصوت،
كيف أدلق كلمات منتصف الليل في القمر،
لأنه حين يموت نشيد الكائن على هذه الأوتار السبعة
لن يتبقى إلا الوتر الفارغ.
*** *** ***
(١) مادة صفراء يفرزها الكبد
(٢) مشروب روحي
(٣) جمع جدجد، صرصار الليل
(٤) من موزار، الموسيقي العظيم
ترجمة/ إسكندر حبش
وُلد الشاعر التشيكي الكبير فلاديمير هولان في براغ في ١٦ أيلول من العام ١٩٠٥ وتوفي فيها في ٣١ آذار من العام .١٩٨٠ عاش في العزلة والانتفاء الطوعي
Vladimír Holan (Czech pronunciation: [ˈvlaɟɪmiːr ˈɦolan]) (1905 - 1980)
المقاطع الأولى فقط، من مطولته الشهيرة (ليلة مع هاملت)