15 يونيو 2010

إنتحارات | قاسم حدّاد

  
عفته اللغات ليحتمل الموت
كي يشهد الشرق مستسلماً للغروب
حوله جوقة
ليس للشرق، لم يبق إلا صد للقيود
التي تنحت العظم
إني بريء من الشرق
من قلعة من كهوف
بريء من الصمت مختبئاً في الكلام
اللغات التي أسعفتني إلى الموت غادرتها
ألجأ الآن للخيمة الحرة المشتهاة
ألجأ الآن للتيه للمنتهى
ليس لي
للبيوت التي طاردتني
لجبانة ضاق بي قبرها
للمدى يحضن الطائرات المغيرة ليلاً 
ويغتالني .

** ** ** **
أسرار فاكهة المساء، سريرة المأوى
ومحتملان
موت للذي ينسى
وموت للتذكر
سيد في القيد أرخى للمدائن من مدينته
سيهذي مثل شعب
من له
من لي بهاوية ليهذي
جنتي نعش على رئتيه
من لي 
من له
طرق ستأخذني إلى طرق ستأخذني إلى طرق
وأحجار الطريق ستلبس اللحم الذي
قدمان عاريتان
في برد، وكل الأسلحة
تكتظ في أثر طريد
ربما هلعاً
شريد
ربما ولعاً
لها، قدمان
جنات، جحيم، ربما تنسى جميع الأضرحة
قدمان
هل قدم مقدسة الخطايا والخطى ابتهلت
لشيء ليس يسمع
ليس يغفر
خيمة أم خرقة في شهقة الصوفي
أسرار لفاكهة
ستنسى عندما تهتاج في شغف وترتطم الحجارة
بالمدائن المدى
من للصدى 
من لي بصارية تسملها المرافئ
للمرافئ
للمرافئ
إنه يهذي 
يجانس أو يطابق أو يناقض
إنه يهوى إلى لغة الشرائك
من له قلب ستكسره المناديل الصديقة
أو له شعب ستخلعه الخوازيق الشقيق
جنتي عرش على قدميه
محتملان 
موت للذي ينسى 
سيد في القوس
يصغي للقرى ويقايض المدن الحبيسة بالأغاني
عندما ضاقت به، اتسعت له
وسعت لأكثر من دم
يمشي ويهذي
لم يكن قلباً له 
جرحاً
وكل رصاصة تأتي بظهر رصاصة
والقلب، هذا الجرح لا ينسى 
ولا يتذكر القتلى 
لعلي صرخة في أمة ثكلى 
لعلي أمة ثكلى 
لها من لي بذاكرة تحاصرني.. ولا تبلى
أتوا من فجوة في البحر
جاءوا من جنوب الوقت
إن الله لا يسهو
ولكن الجهات أتت مدججة
بما لا يذكر الجندي أو ينسى.

** ** ** **
فضحتنا مثلما سكينة تندس
هذا حلم وحش
ونختال به 
نسأل من أين إلى أين ولا نسأل عن تاريخها الآتي
ولا تهتز في أحجارنا سنبلة للشك لا نشكو من الوحش 
فجاءت
مثل جنية تهذي لكي تلهو بنا
فضحتنا
فتركنا للذي ينثال من أحلامنا
حرية الموتى 
تركنا كوكباً في جسد الشرق لكي يختار من أيامنا 
وتركنا ماءنا الغالي لكي
نشرب من بئر المقابر
فضحتنا
والذي ينهار لن نرأف به
للفضح هذا الجسد
الهالك
هذا الجدث
المالك
لم يبق لهذا الشرق من وقت
سنبكي عندما يخطئه الهدم
افضحينا
أحجارها تاج على ذهب المدائن
صورة للماء 
أخبار الحدائق في خبيئتها وليست جنة للنار
مدت لليتامى للمصابين ابتلاءاً بالردى
مدت يداً
كانت تحاصر آخر الرايات في شرف القبيلة
من رأى مدناً مكدسة
رأيت هوادج القتلى على خشب عتيق
ربما العرب الذين
مدينة صارت وتختصر المدن
تمحو وتكتب
من رأى امرأة تلملم ظلها لتصد جيشاً
من رآها. في قميص واحد
حلماً ووحشاً
من رأى عرباً على عرب
سلالات، لغات
من رآها أمة منذورة
عرشاً ونعشاً
لهن تميمة الذكرى ومدخراتها
يمشين مصطبرات
ثاكلة وعذراوات
في قمصانهن غزالة مذعورة وجسارة الأسرى
سينسين الكلام، خيامهن الهتك، من أعطى
لفاكهة المساء سفينة مكسورة ومحا الهواء
وصادر الميناء
من أعطى النساء نوافذ الرؤيا وأطفأ نجمة
الأفلاك
من دمنا على يده 
ومن يده على دمنا
ومن منا سيرسم آخر الإشراك
من للنسوة اللاتي بنين النهر والمجرى
لهن خديعة الذكرى
لهن الفقد والنسيان
من لي بعدهن ومن لهن عريشة بعدي
وحيدات على خشب المخيم
والمدائن تشحذ المنفى
ويرجع لي الصدى
وحدي
لهن القبر
لي قيد وللفوات أختام الطرائد
للموائد نخبة الأقداح
للرسل الكثيرة فجوة في التيه
مصطبرات
لا يمشين لا يمشي بهن الماء
عذراوات
من لي
ما الذي أسرى لمنعطف الخريطة 
مشرقاً كحمامة البشرى
غريباً غائباً
ومضرجاً بتمائم الذكرى
أحايد بين موتين 
انتهاء الأرض حتى قهوة المأوى
وخاتمة النشيد
بكت لي أو بكت في جنة تهوي على القدمين. قالت
ربما
وتشبثت بتهدج الفرسان
من لي بعدكم خلّوا خيولكم
تخب وخيموا عندي. دعوها
تحرس اللغة الجريحة
كي أموت وحيدة في حضن 
فارسي الوحيد
بدأت خاتمة النشيد بدأت في الذكرى
دعوني خائفاً لو أنهم تركوا لقلبي حسرة الفقد الذي 
ينسى
نسوني في نساء، خبأوني في سرير الغدر. لو أن السفائن 
كلها ضاقت لكان القتل أجمل من يد مغلولة في وحشة 
الصحراء
بكت عند الرحيل وكنت في الذكرى .


* مُقتطفات - " قبرُ قاسم " قاسم حدّاد - الكلمة للنشر و التوزيع - 1997 م