30 مايو 2010

جمـاليّة الإثـم | والاس ستيفنز / Wallace Stevens

 والاس ستيفنز / Wallace Stevens

-1-
كان في نابولي يكتبُ رسائلَ للوطن
ويقراُ ، بين رسالةٍ وأخرى ، فقرات عن الجلال
وكان فيزوفيوسُ قد أنّ شهراً بطولِـه
كان ممتعاً أن يجلس المرء هناك
ووميضُ البروقِ العكيكُ يشلحُ ، إذْ يخفقُ ظِلالاً في زوايا القدح
واستطاع أن يصفَ هولَ الصوتِ لأن الصوتَ كان عتيقاً
حاولَ أن يستعيدَ اللعبارات : الألمُ المسموع في الظهيرة
الألمُ المعذِّبُ ذاته ، الألمُ الذي يقتل الألمَ على شفا الألم
ارتعش البركانُ في أثير آخر ، كما يرتعشُ الجسمُ عند انتهاء الحياة
كان وقتُ الغداء قد اقترب
الألمُ شيءٌ بشريّ
كان في المقهى الرائقِ الجوِّ وورود
وضّح كتابهُ حقيقةَ الكارثه
لولانا نحنُ ، لأفنى فيزوفيوسُ بنار حاميةٍ أقاصيَ الارض وما عرفَ ألماً
"بغضِّ النظر عن الديوك التي توقظنا بصياحها لنموت "
هذا جانب من الجلال نَنفرُ منه
ومع هذا ، لولانا نحن ، لما شعر الماضي بجملته بشيء عندما حاقه الدمار
-2-
في بلد ينمو السِنطُ فيه ، استلقى على شرفته ليلاً
صارت الأغاريدُ غامضةً جداًّ ، بعيدةً جداًّ ، أشبهَ شيءٍ بنبراتِ الرقادِ المضطرب
أشبهَ شيءٍبالمقاطعِ التي ستصوغ ذاتها ، فيما بعدُ ، وتحملُ انباءَ يأسه
وتعبّرُ عمّا لم تحققهُ تماماً التأمّلاتُ قطّ
طلعَ القمرُ كأنّه قد تملّص من تأملاته ، تجنّبَ عقلَه
كان جزءاً من تفوُّقٍ أبداً فوقه
كان القمرُ بمعزل على الدوام عنه ، عُزلة الليل عنه
مسّه الظلُّ
أو بدا فحسبُ أنه مسّه وهو يتفوّهُ بشبه مزنيّةٍ وجدَها في الفضاء :
إنّه الألمُ الذي لايعبأ بالسماء
على الرغمِ من صفرة السنط
الذي مايزالُ في الليل النّدي
إنهُ لا يعتبرُ هذه الحريـّة
هذا التفوّق
وفي هلوَسِته لا يرى قطُّ أن مايرفضُه يخلّصهُ في النهاية

- 3-*
ابياتُهُ القويّةُ متماسكةٌ كخلايا في الجحيم
او ماكان الجحيمَ ، اذا كلا السماء والجحيم واحدٌ الآنَ
وهنـا، أيّتها الأرضُ الكافرة
الذنبُ ذنبُ مفرطِ بانسانيّته
جعل ذاتَه انساناً بعطفه ولايمكن تمييزُهُ
عندما نصرخُ لأنّنا نتألّم
أبونا الأقدمُ ، أميرُ غوغاء الفؤاد ، النبيلُ الأحمرُ
الذي سبقنا بالخبرة والتجارب
لو أنَّه فحسبُ لا يشفقُ علينا هذه الشفقةَ العظيمةَ
يُضعف نصيبنا ، يرفعُ الويلاتَ عنَّا الكبيرةَ والصغيرةَ معاً
رفيق مقيم للقدَر
مفرطٌ ، مفرطٌ بانسانيّته
قريبُ الرثاءِ للذات وتكوينه الجبان
يبدو كأنّ صحةَ العالمِ تكفي
يبدو كأنّ عسل الصيفِ المشاع
يكفي ، كأن الأقراصَ الذّهبيّةَ جزءٌ من غذاء وهو يكفي بذاته
كأنّ الجحيمَ وقد عدِّل هكذا ، قد اختفى
كانّ الألم ، ولم يُعدْ محاكاة جهنّميّة ، يمكنُ تحمُّله
كأننا واثقون من أنّنا سنجدُ طريقَنا
-4-
" كتابُ كل أنواعِ الزهورِ عن الطبيعة "
كلُّ أنواع الزهور . ذلكم العاطفيّ
عندما جلسَ ب. الى البيانو وأبدعَ
شُفوقاً سَمِعنا فيه موسيقى ، أبدعَ موسيقى
سمعْنا فيها اصواتاً شفيفة
اَعزفَ كلَّ أنواعِ النغمات ؟ أمْ عزفَ واحدةٌ فحسْبُ فى نشوة قريناتِها
تنويعات في نبراتِ صوتٍ مُنفرد
هو الصوتُ الأخير ، أمْ أصوات فريدة كلّها بحيثُ بدت واحداً ؟
ثُمّ ذلك الاسبانيّ ، اسبانيُّ الوردةِ
وهي ذاتُها حارّةُ الغلافِ ، سمراءُ الدّمِ
أنقذَ الوردةَ من الطبيعةِ ، كلَّ مرّةً رآها ، جاعلَها تُوجدُ
كما رآها ، في عينِهِ الخاصّة ، عينُه هو
أنستطيعُ أن نتصوّرهُ مُنقذاً أقلَّ من ذلك ،
خاسراً الخليلة من اجل خادماتِها العديدات ،
مُتنازلاً عن أعنفِ العشق في سبيل التنقّل من امرأةٍ لامرأة
فحسْب ! روح النوائبِ
ليس عاطفيّاً
انّه ذلكَ الإثمُ ، ذلكَ الإثمُ في النّفس ،
الذي منهُ تسقُطُ الشوائبُ في نداءٍ مستميت ،
وايماءةٍ فظّة
على كلِّ شيءٍ : روح العقل
الذي هوَ الكيانُ منّا ، خطأ في خطأ
روح الجسد ، الذي هوَ عالمُنا ،
أنهكتهُ اشتباكات العقلِ الكاذبة.
-5-
ليأتِ جميعُ العاطفين حقّاً برفق ،
دون اختراعاتِ الحزنِ أو النشيج الذي هوَ أبعدُ مما يُخترع
في نطاقِ ما نسمحُ بهِ ، في نطاقِ الفعليّ و الدافئِ والقريب
تربُطُنا وحدةٌ عظيمةٌ جدّاً ، فهيَ نعيمٌ الى من نُحبّ .
لأجل هذا الصّديق ، هذا الشقيق حتّى في نظر الوالد ،
هذا الشقيق النّصف ملفوظٍ بحلق الوالدة ،
وهذهِ الشّعارات السّامية ، هذهِ الأشياءُ المُعلَنة ،
هذهِ التألّقات المغبّشة في أدنى نظرةٍ
من نظراتِ الحبيب الأعزِّ على الكائن ،
نكفُّ عن النّحيب ، نتنازلُ برضىً عن آهِ آه
المواكب بالحواشي المُعتمة ..
اقتربْ منّي ، ادنُ اكثر ، المَس يدي ،
عباراتٌ قائمةٌ على علاقاتٍ عزيزة ، نُطِقت مرّتين ،
مرّةً من الشفتين ، ومرّةً من خدمات الحسّ المركزيّ
هذهِ الدقائق تعني أكثرَ من الغيوم ، وافعال الخيْر ، والرؤوس البعيدة .
هذهِ في نطاقِ ما نسمحُ بهِ ، وتَرٌ داخليٌّ رائع في الفقرِ مقابلَ شموس الوتر الخارجيّ ،
وترٌ داخليّ محتفظ بصفاتٍ خلعناهَا ، فيما مضى ، على الأشكالِ الذهبيّة وذكرى الأشكالِ الذهبيّةِ المعَرّقة .
وأزهارِ الوتر الخارجيّ ونارِ احتفالات ذكرى الأشكالِ الذهبيّة المعرّقة ،
قبلَ أن نكون بشراً تماماً و نعرفَ أنفسَنا .
-6-
الشمسُ ، بصفرةِ المُهرّج ، لكنّها ليست مُهرّجة ،
توصلُ النهارَ طوْرَ الكمال وبعدَها تُقصّر .
تمكثُ في ميْعةٍ كاملةٍ لكنّها تظلُّ تشتهي كمالاً جديداً .
وتقومُ ببحثٍ دقيقٍ عن الشهر القمري ،
مُنكبّةً على تحوّلٍ يبدو حين يُشاهدُ منحرفاً .
والفضاءُ مليءٌ بسنيّها المرفوضة ، ينقرُها طيرٌ كبيرٌ طلَباً لقوتهِ .
و شهيّةِ الطيرِ الكبير الناقِرة بشهيّةِ الشمس نفسها .
هب الطيرَ من نقصٍ فيهِ هوَ ليقتاتَ بالنّضجِ الأصفرِ في الثمرةِ الصّفراء قد نفلت من ازهارٍ كأنّها الفيروز .
وفي مشهدِ الشّمسِ ، شهيّتهُ الجبّارة تضعف ،
ومعَ هذا ، فإنّ لها حين تُقوّمُ زلاّتها الغريبة و بريقَها ،
وتنبوءاتها عن استغراقٍ وادعٍ بعيداً عن مرأى السّماء كلّها .
الشّمسُ هي الرّيف حيثُ ما حلّت .
ويدورُ الطيرُ ويهبطُ في المشهدِ الأبهى محتقراً كلّ نضجٍ فظّ ،
مُتجنّباً نقطةَ الاحمرار ،
غيرَ قانعٍ أن يستكنَّ في ساعةٍ أو فصلٍ أو حقبةٍ طويلةٍ من ألوانِ الريف المُحتشدة قبالتَهُ ، لأنّ عقلَ المُعشّبِ الأصفر مازال رحباً ،
وما زالَ يعِدُ بضروب من الكمالِ مهدورة .
-7-
ما أشدّ حمرة الوردةِ التي هي جرحُ الجنديّ ،
جروحُ جنود كثيرين ، جروح جميع الجنود الذين سَقَطوا حُمْرَ الدّما ،
جندي الزمان الذي غدا خالداً و قد تضخّم .
جبلٌ ليس فيهِ راحةٌ قط ،
إلاّ ان كان عدمُ المبالاةِ بالموت العميق راحة
ينتصبُ في الظلام تلُّ ظلال
وهُنا يستريح جنديُّ الزمان استراحةً خالدة .
حلقةٌ ضمن حلقة من الضلال ، ساكنةٌ في ذاتها
لكن مُتحرّكةٌ على الرّيح ،
تُشكّلُ تلافيفَ غامضةً في منام
جنديّ الزمان الأحمر الخالدِ المضطجع في فراشه .
ظلالُ رفاقِه تطوّقُهُ
في دجى الليل ينشرُ الصيفُ لهم شذاهُ نُعاساً عميقاً
و ينشرُ لهُ ، لجنديّ الزمان ، نومَ صيف
حَسَنٌ فيه جرحُهُ لأنّ الحياةَ كانت
لمْ يكن أي جزءٍ فيه جزءاً من الموت قطّ .
تُملّسُ امرأةٌ جبينَها بيدها
و يضطجعُ جنديّ الزمان تحت تلك اللمسةِ هادئاَ
-8-
موتُ الشيطانِ كان كارثةً على الخيال .
قضى عليه انكارٌ عظيمٌ في مسكنه
ومعهُ قضى على ظواهرَ زرقاءَ عديدة .
لم تكُن نهايته النهايةَ التي كان قد توقّعها .
عرفَ أنّ انتقامه أوجدَ انتقاماتٍ بَنَويّة .
و كان الانكارُ شاذّاً .
لم يكن فيه شيءٌ من سحب تمّوز المخيلَة :
الوميض و الهزيم القاتلين .. جحدوا به .
أيّ شيءتبقّى ، أيّها الأشباح ، لكُم ؟ أيُّ سَرَب ؟
أيّ موضع ليس الوجود فيه بكافٍ للوجود؟
تبقونَ أيّها الأشباحُ المساكين بلا موضع
كفضّةٍ في بطانةِ البَصَر
عندما العينُ تُغمض .. ما أشدّ برد الفراغ
عندما الأشباح تمضي .. و يرى الواقعيُّ المضطرب الواقع لأوّل مرّة
"لا" البشر لها خواها و آجالها الفاجعة
غير أنّ الفاجعةَ ربما بدأت ،
كذلك الحالُ ، في بدايةِ الخيال الجديدة
في نعم الواقعيّ قالها لأنّه واجبٌ عليه أن يقولَ نعم
قالَها لأنّه تحت كلِّ لا كان يجثم هوىً لنعَم لم ينفصمُ أبداً
-9-
ذُعرٌ على وجهِ القمر – أفنديٌّ مستدير
او الرقادُ المفسفر الذي يجولُ فيهِ من مكانٍ لمكان
او الصحنُ الخزفيّ الثمين المُكدّسة فيه الفواكهُ المفسفرة التي يبعثُ بها قدّامه من طيبةِ قلبه ،
لكلّ من يجيء ذعرٌ ،
لأن القمرَ لم يعُد هذه الأشياء و لا أيّ شيء
و لم يبقى شيءٌ سوى البشاعة المُضحكة أو عدمٌ لامع
أيّها الافندي ، من يفقدُ حُمق القمر يُصبحُ أميرَ أمثال الفاقةِ المحضة .
أن تفقدَ الحساسيّة ، أن ترى ما تراه
كأنّ ليس للبصر اقتصادُهُ المُعجزُ الخاصُّ به،
أن تسمعَ ما تسمعهُ فحسب ، معنىً واحداً فقط
كأنّ فردوس المعاني لم يعد بعدُ فردوساً
إنّ هذا هوَ العوَز
هذا هوَ السّماءُ جُرّدت من ينابيعها
في الغربُ هُنا صراصيرُ لا مُباليّة تترنّم
طوالَ أزَمَاتنا اللامُبالية .
لكنّنا نحتاجُ لترنيمةٍ أخرى ، لتعويذة ،
كما في تكوينٍ آخرَ لاحِق ،
لموسيقى تزجُّ أشكالَ سكينتها المُمكنة مقابل الضجيج
يُبقبقُ في الليل ماءٌ مُرتفع رحبٌ و يطغى على صوت الصراصير .
بوحٌ هوَ ، نشوةٌ بدائيّة ،
أفضالُ الحقيقة معروضة بلسانٍ فصيح
-10-
كان قد درَسَ أصنافَ الحنين .
نشدَ فيها ما هوَ أقربُ الكلِّ للأمومة ،
الكائنُ الذي يهدّئه بخصْبٍ شديد
المرأة الأرقّ بشبه شاربَيْن ،
لا " الأمّ " البنفسجيّة .
نفسُهُ أحبّت الجسدَ منه و أحبّته لم يُذلّ ،
فكان البيتُ رجوعاً للولادة ،
كائناً مولوداً من جديد بقسوةٍ شديدة الضراوة ،
عنيفاً في رغباته ، طفل أم عنيف في جسده
عنيف أكثر في عقله ،
لا يعرفُ الهوادة في تحقيق الحقيقة بفكره .
صحيحٌ أنّهُ كانت هناكَ أمّهاتٌ أخريات ، فريداتٌ في اشكالهنّ
حبيباتُ السماءِ و الأرض ، ذئباتٌ و نمرات غابٍ مُزجْنَ ببحر.
هؤلاءِ كُنّ من وهم وحلم .
كانت هُناك بيوتٌ كاشياءٍ مغمورة مع اصواتها المُبتلعة ،
ولم تكُن قطُّ هامدةً تماماً .
المرأةُ الأرقّ ، لأنها الآنُ ما كانتهُ فيما مضى ، الواقع
الغليظة ، الخصبة ، حصّنته ضد مسّه الألم الشخصي .
الواقعُ فسّرَ .
كان الحنين الأخير : أن يتفهّم .
أن يتألّمَ أو أن يموت
كان براءةَ العيش ، إن كانت الحياة ذاتها بريئة .
قوله أنها هكذا خلصه من حبائل عزاءاتٍ ليّناتٍ نواعم .
-11-*
الحياةُ صلٌّ مرير . لسنا في وسطِ ماسَة
عند الفجر ، يهبطُ المظليّون و في هبوطهم يُحشّون المروج
يغرقُ مركبٌ بأمواجٍ من البشَر ، بينما تهدرُ أمواجٌ عظيمةٌ من جرسِه في برج كنيسةِ القرية
تبرزُ باقاتٌ كبيرةٌ من البَنفسج ، من البيوتِ المطمورة
بيوت قومٍ فقراء ، غشّاشين ، قرعَ لهُم برجُ الكنيسة ، منذُ ذاك قرعات الوداع ، الوداع ، الوداع .
مواطنوا الفاقةِ ، أولاد البلايا ..
-12-
يُنظّمُ العالمُ فئتين ، كذا :
المأهولُ و الغير ماهول .
هوَ في كليهما وحيد .
لكنَّ هناك في العالم المأهول علاوةً على النّاس عرفانه لهُم .
في الغير المأهول هناكَ عرفانُه لذاته .
أيّهما أشدُّ يأساً في اللحظات التي تقتضي الإرادةُ فيها أن يكون ما يفكّره صحيحاً ؟
أيعرفُ ذاته فيهم أم يعرفهُم فيه ؟
إن كان ذاتُه فيهم ، فليسَ لديهِم ما يسترونه عنه .
وان كان ايّاهم فيه ، فليسَ لديهم ما يستره عنهم .
هذا العرفانُ لهُم ولذاتِه يقضي على كلا العالمين الاّ حينما يتخلّص منه .
أن يكونَ وحدهُ يعني الا يعرفَهم ولا يعرفَ ذاتَه .
وهذا يخلقُ عالماً ثالثاً بدون عرفان ،
لايتوغّلُ فيهِ بابصاره أحد ، ليس للإرادةِ فيهِ من مطالب .
بأنّ كل ماهوَ موجود صحيح ، بما في ذلك الألم ، و هوَ لولا هذا غيرُ صحيح .
في العالم الثالث إذاً لا ألم .
أجلْ ، لكن أيّ محبًّ عندهُ مثله بهذي الصخور ،
أيّ امراةٍ عرفتهُ في صميم الفؤاد ؟
-13-
قد يكونُ أنّ الحياةَ الواحدة عقابٌ على الأخرى ،
كحياةِ الابن على حياة الأب .
لكنّ هذا يتعلّق بالشخوص الثانوية .
انّها فاجعةٌ جزئية في الكلّ الشامل .
الابن والأبُ مثلاً بمثل سواءاً بسواء ،
انهكتهُما الضرورةُ بأن يكون كلٌّ منهما ذاتَه ،
الضرورةُ التي لا تتبدّل بأن يكون كلٌّ هذا الحيوان الذي لا يتبدّل .
.. الفاجعةُ الكُبرى .
هذا هوَ القضاءُ الغيرُ المُعقّد ، العدوّ الأسعد .
و قد يكون ان امرءاً في ديره عند البحر الموسّط ، مضطجعاً ،
و قد ارتاح من شهوته ، يُقرّر المرئيّ ، منطقة ألوان متعدّدة زرقاء و برتقالية .
يُقرّر زماناً لمراقبةِ البحر المقلّد النار ويدعوهُ خيراً ،
الخير الاخير ، واثقاً من حقيقةِ التأمّل الطويل الطويل ، النهاية القصوى ،
مشهدُ القاتل ، الاثمُ في الاثم نسبيّ .
يكشفُ القاتلُ عن نفسه ، يكشفُ عن القوّة التي تقضي علينا في داخل هذي النهاية القصوى .
مغامرةٌ يجبث أن تُحتملَ بعجز مُهذّب . آه!
أنّنا نشعرُ بفعلها متحرّكاً في دمانا .
-14-
قالَ فيكتور سيرج : " أصغيتُ لحجّته بما يشعرُ به المرءُ من قلق وارتباك في حضرةِ معتوهٍ منطقي " .
قالَ هذا عن قسطنطينوف . الثورةُ شأنُ المعتوهين المنطقيين .
سياسةُ العاطفة لابدّ أن تظهرَ انها بناءٌ فكري .
تخلقُ القضية منطقاً لا يتميّز عن العتاهة ..
يودُّ واحدُنا أن يتمشّى على ضفاف البحيرة في جنيف و يتأمّلُ في المنطق :
أن يُفكّر في علماء المنطق في قبورهم ،
وفي عوالم المنطق في ضرائحهم العظيمة .
البحيراتُ أعقلُ من المحيطات .
لذلك ، فإنّ التنزّه ما بين روائع العقل على ضفاف بحيرة،
والغيومُ كأضواء بينَ ضرائحَ عظيمة ،
تبعثُ في المرءِ قلقاً وارتباكاً ،
كما لوْ أنّه قد يُقابلُ قسطنطيوف ، الذي سيتطفّلُ بعتاهته .
لن يشعرَ بوجودِ البحيرة .
سيكون معتوه فكرةً واحدة في عالمٍ من الأفكار ،
وسيجعل الناسَ جميعاً يعيشون و يعملونَ و يُقاسونَ و يموتونَ في تلك الفكرةِ في عالمٍ من الأفكار .
لن يشعرَ بوجود الغيوم ، منيراً شهداءِ المنطق بنارٍ حامية .
منطقُهُ المُتطرّف سيكون لا منطقيّاً .
-15-
الفاقةُ الكبرى ألا نعيشَ في عالمٍ طبيعي ،
أن نشعرَ أن رغباتنا يصعبُ تمييزها عن اليأس جداًّ .
ربّما بعد الوفاة ، أمكنَ للناس اللاّطبيعيين ، في الفردوس ، وهوَ ذاتُهُ لا طبيعي ،
أن صُدفةً يُشاهدوا السنابلَ الخضراء تتلألأ و يختبروا شيئاً قليلاً مما نشعرُ به .
المُغامرُ في البشريّةِ لم يتخيّل جنساً طبيعياً بكليّته في عالم طبيعي .
تتلألأ السنابلُ الخضراء و ينبطحُ الذينَ ما وراء الطبيعة في كلِّ ما في قيظ آب ،
من عواطفَ رنّانة و فردوس مجهول .
هذي هي النظريةُ المدوّنةُ بالفرح ، أنّها الزبورُ المدوّي ، الترتيلةُ الحقّة .
كانَ يمكنُ أن يُفكّر المرءُ بالرؤية ، لكن من يستطيعُ أن يُفكّر بما يراه ، نظراً لكلّ السوءِ الذي يرى ؟
وجدَ الكلامُ الأذن ، رغمَ كلِّ الأصواتِ الأثيمة ،
لكنّهُ لم يستطع أن يُفسّر االبُنط الكبير الأسود.
و مما يراهُ المرءُ و يسمعهُ و ممّا يشعرُ بهِ المرء ،
من كانَ ليُفكّر أن يصنعَ ذواتٍ عديدة ، و عوالمَ حسّية عديدة ،
كما لو أنّ الهواء ، هواء الهجيرة ،
كانَ يعجُّ بالتغيّراتِ الوراء الطبيعية التي تطرأ ،
بمجرّد عيشُنا كما نعيش وحيث نعيش .

ترجمة توفيق صايغ  1963 م
* مقتطفات في هذا المقطع . | خاص بالمسيرة الإلكتروني
: من رواد الحداثة و قصيدة النثر الأمريكية